وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ـ ابنا ـ ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته :
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}. صدق الله العظيم.
الولادةُ المعجزة
مرَّت علينا أمس، في الخامس والعشرين من هذا الشَّهر، ذكرى الولادة المباركة للسيِّد المسيح (ع)، هذه الولادة الَّتي شاء الله، سبحانه وتعالى، أن تكون آيةً للنَّاس تتجلّى فيها قدرة الله عزَّ وجلَّ، من خلال ما بشّرت به الملائكة أمَّه مريم (ع) {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}، وعندما كانت ولادته من أمّ دون أب، ليتجدّد فيه مثال آدم (ع) {إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}، ومن أحاطه الله، عزَّ وجلَّ، برعايته وعنايته طوال مرحلة الولادة، حين أرسل ملاكًا ليكون مع أمّه ليهوّن عليها هذه المرحلة الصّعبة، والّتي أشار إليها الله سبحانه وتعالى: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا * فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا}، وليخفّف عنها ما كان يشغل بالها، إذ بماذا ستجيب قومها عندما يسألونها من أين جاءت بهذا الولد، وهي الّتي لم تتزوّج بعد، فدعاها الله إلى أن لا تتكلّم، وأن تكتفي بأن تشير إليه {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا}، وهذا ما فعلته، فهي عندما جاءت إلى قومها تحمل وليدها، وراح النَّاس يشيرون عليها: {يَا أُخْتَ هَارُونَ - في الطّهر والصّلاح، وقد كان هارون مضرب مثل فيهم - مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}، ففعلت ما دعاها إليه جبريل، وبأمر من ربّها...
فكانت المعجزة أن أنطق الله، عزَّ وجلَّ، وليدها الَّذي تولّى هو الحديث عنها وهو في المهد: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}.
أدبُ الاختلاف
ونحن، أيّها الإخوة والأخوات، عندما نحيي هذه الذّكرى، لا نفعل ذلك تقليدًا للآخرين، بل بوحي من ديننا الّذي يدعونا إلى الإيمان بهذا النّبيّ، وبكلّ الأنبياء الّذين سبقوه، لا نفرّق بين أحد منهم في الإيمان: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}. فنحن نؤمن بأنَّ السّيّد المسيح (ع) جاء ضمن السّلسلة المباركة لأنبياء الله عزّ وجلّ، الَّذين جاؤوا لهداية النَّاس وإخراجهم من جهلهم وتخلّفهم وضلالهم، وقد أدَّى الدّور الّذي استند إليه، والّذي جاء رسول الله (ص) ليكمّله ويكون من بعده خاتم الأنبياء.
ونظرتنا هذه لا تتوافق كما هو واضح، في بعض جوانبها، مع النّظرة المسيحيّة المغالية إلى شخصيّة السّيّد المسيح (ع) الّتي أعطته بعض صفات الألوهيّة، حيث قال تعالى: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا}.
لكنَّ هذا الاختلاف لم يؤدِّ إلى شرخ في تعامل رسول الله (ص) والمسلمين مع أتباع الدّيانة المسيحيّة، أو إلى الافتراق أو إلى النّزاع معهم.
ونحن في هذا المجال، نذكر في شكل موجز بعض هذه المواقف الإيجابيَّة الّتي صدرت عن رسول الله (ص) وعن المسلمين تجاههم.
مواقف نبويَّة تجاه المسيحيّين
الموقف الأوَّل: حين قدم نصارى نجران إلى المدينة المنوَّرة، استقبلهم يومها رسول الله (ص) في مسجده، تكريمًا لهم. ولـمّا حان وقت صلاتهم وأرادوا الصَّلاة، أذن لهم النَّبيّ (ص) بأن يصلّوا في مسجده، وأن يدقّوا النَّواقيس فيه، وقد حصل ذلك على مرأى من المسلمين جميعًا.
وبعد ذلك، حاورهم ومنحهم حريّة التَّعبير عن دينهم، ومنع أيّ تعرّض لمؤسّستهم الدّينيّة، على أن يحترموا قوانين الدّولة الإسلاميَّة ونظامها.
الموقف الثّاني: بعدما عمّ الإسلام الجزيرة كلّها في السّنة التّاسعة للهجرة، بعث رسول الله (ص) برسالة إلى أسقف نجران: "بسم الله الرَّحمن الرَّحيم. من محمَّد النّبيّ، إلى الأسقف أبى الحارث وأساقفة نجران وكهنتهم ورهبانهم ومن تبعهم، إنَّ لهم ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، من بيعهم وصلواتهم ورهبانيّتهم، وجوار الله ورسوله، لا يغير أسقف من أسقفيَّته، ولا راهب من رهبانيّته، ولا كاهن من كهانته، ولا يغير حقّ من حقوقهم ولا سلطانهم، ولا شيء ممّا كانوا عليه، على ذلك جوار الله أبدًا ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم، غير مثقلين بظلم ولا ظالمين".
الموقف الثّالث: حين أرسل رسول الله (ص) المسلمين إلى الحبشة هربًا من طغيان قريش، وقد علَّل رسول الله (ص) سبب اختياره الحبشة دون غيرها، حين جمع أصحابه الَّذين دعوا إلى الهجرة إليها سرًّا، وفي مقدَّمهم جعفر بن أبي طالب، بقوله: "إنَّ بها ملكًا صالحًا لا يظلم ولا يظلم عنده أحد"، وقد كان هذا الملك مسيحيًّا تربّى على تعاليم السّيّد المسيح (ع)، وكان أن رأى المسلمون منه التَّكريم وحسن الضّيافة إلى حين عودتهم إلى المدينة.
لقد أشارت كلّ هذه المواقف إلى أنَّ العلاقة بين الإسلام والمسيحيَّة لا وجود فيها لأيّ تشنّج أو تنافر، بل بقيت على المودّة المتبادلة الّتي خلَّدها القرآن الكريم، وعلى مرّ العصور، بقوله سبحانه وتعالى: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}، وعلى العمل المشترك الّذي دعا إليه سبحانه، عندما قال: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ}.
محطّةٌ لتعزيزِ القيم
أيُّها الأحبَّة، إنّنا نريد لمناسبة ولادة السّيّد المسيح الّتي تُشكِّل عنوانًا جامعًا يلتقي عليه المسلمون والمسيحيّون، أن تكون مناسبةً لتعزيز العلاقة فيما بينهم، والعمل معًا لإعادة الاعتبار إلى القيم الرّوحيَّة والأخلاقيَّة والإيمانيَّة في هذا العالم؛ القيم الَّتي عمل بها السّيّد المسيح (ع) وأكملها رسول الله (ص)، والّتي تدعو إلى عبادة الله، وإلى المحبَّة والرَّحمة والعدالة واحترام كرامة الإنسان، وبهذا يتحقَّق للإنسان الموقع عند الله سبحانه {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الخطبة الثَّانية
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بوصيّة الإمام عليّ الهادي (ع) الَّذي مرّت علينا ذكرى وفاته في الثّالث من هذا الشَّهر، شهر رجب الحرام، عندما قال: "أوصيكم بتقوى الله، ولزوم طاعته، والورع في دينه، وكثرة ذكره في السّرّ والعلانية، فإنَّ تقوى الله زاد القلوب، وبه تنال الدّرجات، ويستضاء به في الظّلمات. وعليكم بالصّبر، فإنّه مفتاح الفرج، وبه يدرك المؤمن ما لا يدرك بالعجلة، واعلموا أنَّ العجلة تفسد الرّأي. اذكروا الموت، فإنّ ذكره يميت الشَّهوات، ويقصّر الأمل، ويبعث على الاستعداد للقاء الله. واعلموا أنَّ من أصلح سريرته، أصلح الله علانيته، ومن صدق مع الله صدقه الله، ومن أصلح فيما بين النّاس، أصلح الله فيما بينه وبينهم... فكونوا زينًا لنا ولا تكونوا شينًا علينا. قولوا للنّاس حسنًا، واحفظوا ألسنتكم، وكفّوا أيديكم، فإنّ السّلاسة في الصّمت، والنّجاة في الحلم".
أيّها الأحبّة، إنّنا أحوج ما نكون إلى الأخذ بهذه الوصيّة والاستهداء بها، والّتي بها نسأل الله خير الدّنيا والآخرة، ونعبّر عن حقيقة ولائنا لهذا الإمام، ونكون أكثر قدرةً على مواجهة التّحدّيات.
سياسةُ التَّصعيدِ والتَّهديد
والبداية من التّصعيد الإسرائيليّ، حيث يستمرّ العدوّ في اعتداءاته وإرهابه للّبنانيّين، من خلال الغارات الّتي يشنّها على أكثر من منطقة لبنانيّة، واغتيال مواطنين لبنانيّين، وتفجير منازل في القرى الحدوديّة، ومن خلال الطّيران المسيّر التّجسّسيّ الَّذي لا يفارق الأجواء اللّبنانيّة، ومنع الإعمار... فيما هو يثبّت احتلاله للمواقع الّتي يسيطر عليها داخل الأراضي اللّبنانيَّة، ولا يبدي أيّ استعداد لإطلاق سراح الأسرى اللّبنانيّين، ممّا ينصّ عليه الاتّفاق الّذي جرى التَّوصّل إليه مع الدّولة، وهو يرفق ذلك بالتَّهديدات الّتي يطلقها قادة كيانه بتصعيد أكبر على لبنان إن لم يخضع لما يريده العدوّ...
يأتي كلّ ذلك رغم وفاء لبنان بكلّ ما التزم به بموجب الاتّفاق، وهو يوشك على الإعلان عن إنهاء وجود أيّ مظاهر مسلَّحة في جنوب اللّيطاني تنفيذًا له، ما يؤكّد، وبما لا يقبل الشّك، أنَّ هذا العدوّ لن يكتفي بما جرى، بل يسعى إلى مزيد من التّنازلات من الدّولة اللّبنانيَّة، والّتي بات يعلن عنها، وهي رسم جديد للحدود اللّبنانيّة مع كيانه، وإنشاء منطقة عازلة ذات بعد أمنيّ واقتصاديّ، واستمرار امتلاكه لحريّة الحركة على الأراضي اللّبنانيّة في مواجهة ما يدَّعيه من تهديد لأمنه.
ثباتُ الدّولةِ ووحدة اللّبنانيّين
إنّنا، أمام ما يجري، نُعيد التّأكيد على الدّولة اللّبنانيّة، أن تُصرّ على موقفها الثّابت أمام اللّجنة المكلّفة بتنفيذ وقف إطلاق النَّار، والدّول الرّاعية له، لجهة تحمّلها مسؤوليَّاتها في إلزام العدوّ بوقف عدوانه المستمرّ على لبنان، والانسحاب من المواقع الّتي احتلَّها، وعودة الأسرى، وذلك بعد وفاء لبنان بما التزم به.
كما ندعو الدّولة في هذا السّياق، إلى أن لا تُقدِّم أيّ تنازلات مجانيّة، في وقتٍ لم يلتزم العدوّ بما هو مطلوب منه، بل ما زال يلوّح بطلب المزيد، وأن تعمل على وضع خطّة طوارئ، تحسّبًا لأيّ مغامرة قد يُقدم عليها العدوّ، وإلى تفعيل دبلوماسيّتها واستنفارها في هذه المرحلة.
فيما نجدّد دعوتنا اللّبنانيّين إلى تجاوز الخلافات الّتي تعصف بهم وتُضعفهم، والّتي يسعى العدوّ بكلّ جهده إلى تسعيرها والاستفادة منها لتحقيق أهدافه، وأن يكون موقفهم موحَّدًا في مواجهة غطرسته واعتداءاته الّتي تمسّ كلّ لبنان، لا طائفةً أو مذهبًا بعينه.
قانونُ الفجوةِ الماليَّة
ونبقى في لبنان، لنشير إلى الجدل الدَّائر داخل الحكومة حول قانون الفجوة الماليَّة، والّذي تسعى من خلاله إلى إقرار قانون تريد من خلاله أن تطوي صفحة الماضي الَّذي عانى منه اللّبنانيّون على كلّ المستويات الماليّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة.
إنّنا أمام ذلك، نعيد التّأكيد على الحكومة أن لا يطوى هذا الملفّ، بحيث ينجو من أساؤوا الأمانة في حفظ ثروات الوطن من العقاب، بل بمحاسبة كلّ من أوصل البلد إلى ما وصل إليه، حيث لا يبنى بلد بلا محاسبة، ومحاسبة الماضي هي مقدّمة لبناء المستقبل، وما لم تتمّ، فسيتكرّر ما حصل. وفي الوقت نفسه، نشدّد على أن لا يكون هذا القانون على حساب المودعين، فهو حقّ لهم، وأن يكون ضمن جدول زمني واقعيّ، فالمصارف، ومن ورائها الدّولة، معنيّون بإعادة الأمانات إلى أصحابها، وأيّ مقاربة لا تؤدّي إلى استعادتهم لحقوقهم كاملة، سوف لن تعيد الثّقة إلى الدّولة ولا إلى المصارف، وسيبقى هذا الجرح مفتوحًا.
إنّنا نريد للبلد أن ينتظم على الصّعيد الماليّ، وللمصارف أن تعود إلى عملها الطّبيعيّ، لكن هذا لن يكون إلّا بقانون منصف وعادل، لا ينبغي أن يكون على حساب المودعين الَّذين بدونهم لن تسير عجلة المصارف أو تستعيد الدّولة موقعها.
ونبقى في الدّاخل، لنشير إلى خطورة ما يتداول في وسائل الإعلام حول ظروف اختطاف النّقيب في الأمن العام اللّبنانيّ من قبل الموساد الإسرائيليّ. وندعو هنا الدّولة اللّبنانيّة إلى أن تقوم بدورها، وتقديم الإيضاحات عمَّا جرى وكشف غموضه والسَّعي لإعادته.
المخطّطُ التّهويديّ
وعندما نطلّ على الوضع في فلسطين المحتلّة، فإنَّ العدوّ يستمرّ في ممارسة عدوانه في غزّة، وخرقه لاتّفاق وقف إطلاق النَّار، فيما هو يتابع مخطَّطه التّهويديّ الّذي بدأه في الضّفّة الغربيّة، بإقراره بناء مشاريع استيطانيَّة جديدة، حيث لا يخفي العدوّ سعيه للإطباق عليها، ما يستدعي وقفة عربيّة وإسلاميّة جادّة تجاه ما يجري، قبل أن تسقط البقيّة الباقية من حقوق الفلسطينيّين وأرضهم، وربّما قضيّتهم.
تهنئةٌ بميلادِ المسيح (ع)
وأخيرًا، نتقدّم إلى المسلمين والمسيحيّين بالتّهنئة بميلاد السّيّد المسيح، الّذي نأمل أن يكون محطّة تسهم في تفعيل التّلاقي بين المسلمين والمسيحيّين، وتعاونهم للعمل على تعزيز القيم الأخلاقيّة والرّوحيّة الّتي دعا إليها السّيّد المسيح (ع)، قيم المحبّة والتّسامح والعدالة للجميع، والّتي جاء رسول الله (ص) من أجل تأكيدها والعمل بها.
إنّ البشريّة أحوج ما تكون إلى هذا التّعاون بين الرّسالتين، والعمل معًا لمواجهة التّردّي القيمي والأخلاقي الرّوحي الّذي بات يعصف بالعالم، والوقوف في وجه مظاهر الظّلم والاستكبار والتّوحّش الّتي لا تزال تتوالى صورها اليوميّة في أكثر من ساحة دوليّة وإقليميّة، فيما نسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون السّنة الميلاديّة القادمة سنة خير، وأن تزول عنَّا الغمّة الّتي عانيناها ولا نزال نعانيها في لبنان وفلسطين وسوريا، وفي أكثر من بقعة من بقاع العالم، وأن تحمل إلينا تباشير الأمل والسَّلام الّذي نريده في هذا البلد ولكلّ العالم.
..................
انتهى / 232
تعليقك